المنهج العلمي: مميزاته وخصائصه
منهج البحث العلمي هو أسلوب علمي مُنظم يتبعه الباحث بترتيب وتحليل وعرض أفكاره أثناء بحثه بأحد الموضوعات بهدف التوصل إلى المعلومات الموثوقة وتقصي الحقائق ذات الصلة بموضوع بحثه، وهو أداة فعالة يُستعان بها بشتى مجالات الحياة للتحري عن الموضوعات والمُشكلات المُختلفة بأبعادها ومكوناتها من أجل التوصل لحلول فعالة لهذه المُشكلات أو إثراء القاعدة المعرفية وتعزيز القدرة على التكيف مع المُتغيرات المُستمرة وفقًا لأسس وأساليب علمية مدروسة ومنطقية؛ ولتحقيق ذلك يستخدم الباحث طرق وأدوات علمية تُساعده على جمع المعلومات والبيانات والأدلة اللازمة لإقامة الحجج والبراهين وحل المُشكلات ويتبع بعض الخطوات المُحددة التي تبدأ بتحديد المُشكلة ثم وضع الفرضيات وتحليلها واختبارها وتنتهي باستخلاص النتائج واقتراح بعض التوصيات وفقًا لهذه النتائج.
وواقع الأمر أن مناهج البحث العلمي متنوعة ومُتعدد وتختلف باختلاف طبيعة الموضوع قيد الدراسة ومنها: المنهج الوصفي والمنهج التحليلي والمنهج التجريبي والمنهج المقارن والمنهج التاريخي، ولكل منهج من هذه المناهج خصائصه المختلفة التي تُميزه عن غيره، إلا أنها في مجموعها تشترك بمجموعة من الخصائص التي يجب أن يحرص الباحث العلمي عليها من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، وهذه الخصائص وفقًا لما يلي:
-الغاية والهدف: يجب أن يُحدد الباحث الغايات والأهداف المرجوة من بحثه بشكل واضح ودقيق، وأن يسعى طوال مراحل البحث إلى تحقيق هذه الأهداف دون الخروج عنها والانصراف إلى غيرها من الأهداف غير المُعلن عنها.
-الموضوعية: ويُقصد بها اتباع الباحث لخطوات وإجراءات واضحة أثناء إجراءه للبحث وحتى استخلاصه لنتائج البحث، بحيث يُراعي الباحث الحيادية والموضوعية ويتجنب التحيز للأفكار والأحكام والمُعتقدات الشخصية طوال مراحل وخطوات بحثه، بحيث إذا اتبع باحث أخر نفس أسلوب البحث فإنه حتمًا سيتوصل لنفس النتائج، ويتحقق ذلك عبر إعطاء الباحث الأولوية الأولى لقيمة البحث والهدف منه وعدم انسياقهلأي مؤثرات خارجية أو نقاط فرعية.
-المنهجية: يجب أن يُنفذ البحث العلمي وفقًا لخطوات مُحددة ومدروسة وأسلوب منهجي وعلمي اعتبارًا من تحديد مُشكلة البحث ووصولًا للنتائج، بحيث يبدوا البحث العلمي مُترابطًا ومتكاملًا؛ وتبدأ هذه الخطوات باختيار الباحث لموضوع أو مُشكلة البحث وفقًا لمؤهلاته ومجال تخصصه، ثم إعداد خطة البحث وفقًا لأسس علمية سليمة، ثم جمع المصادر عبر البحث والاطلاع الدقيق على المراجع والمصادر ذات الصلة بموضوع البحث، ثم تجميع المادة العلمية للبحث عبر الاطلاع والاستبيان والتدوين والاقتباس، ثم صياغة البحث مع مُراعاة الإجراءات والقواعد النحوية والإملائية السليمة، وأخيرًا توثيق المصادر وفقًا للقواعد المُعتمدة والمُتبعة.
-الدقة: تُعد الدقة من أهم السمات المميزة للبحث العلمي نظرًا لأهميته واختلافه عن غيره أنواع الأدبيات أو الكتابات الأخرى، فالهدف الأساسي للبحث العلمي هو تسجيل الإنجاز المُتحقق بأحد المجالات، فهو بمثابة خطوة تعتمد على ما توصل إليه الباحثين السابقين وتمهيد لما يجب أن يستند عليه الباحثين اللاحقين؛ لذا يجب أن يُراعي الباحث الدقة بجميع مراحل بحثه اعتبارًا من خطواته الأولى بتحديد مُشكلة البحث وحتى استخلاصه للنتائج المُثبتة وغير القابلة للطعن.
-قابلية اختبار الموضوع قيد البحث: يجب أن يكون الموضوع أو المُشكلة قيد البحث قابلة للاختبار والبحث، لأن بعض الموضوعات البحثية يصعب البحث بها نظرًا لسرية أو صعوبة المعلومات، فيُقصد بذلك أنه يجب أن يتمكن الباحث من الوصول إلى المعلومات اللازمة والموثوقة حتى يتمكن من تحليل هذه المعلومات والتحقق من مدى صحة فرضيات البحث وتحديد أسباب وأبعاد المُشكلة قيد البحث وحتى استخلاص النتائج واقتراح التوصيات؛ فقابلية الاختبار إذًا هي من أهم خصائص البحث العلمي.
-الإيجاز والأسلوب المُبسط: من السمات الأساسية للأسلوب العلمي الإيجاز والبساطة بعرض المادة العلمية، لذا يجب على الباحث العلمي مُراعاة البساطة والإيجاز طوال مراحل وإجراءات بحثه شريطة ألا يؤثر ذلك على جودة ودقة البحث ووضوح نتائجه وإمكانية تعميمها وتكرارها مُستقبلًا؛ ولتحقيق ذلك يجب على الباحث التركيز على موضوع بحثه وتحديد المُتغيرات ذات الصلة بموضوع البحث لأن تعدد وكثرة المُتغيرات يحول دون التعمق بموضوع البحث والتغطية الكاملة لجميع جوانبه.
-الاعتمادية: من السمات الأساسية المُميزة للبحث العلمي انطلاقه واعتمادهعلى الوقائع والحقائق المعلومة والمُثبتة والمُدعمة بالأدلة والقرائن وليس على الظنون والتكهنات، فالبحث العلمي يبدأ من المعلوم وينتهي باستنباط المجهول عبر خطوات مُتسلسلة تعتمد على بعضها البعض، فليس من المنطقي أن يبدأ الباحث بجمع البيانات والمعلومات قبل تحديد المُجتمع أو العينة، أو يستخلص النتائج ويصيغها قبل تحليل البيانات والمعلومات المُجمعة من عينة الدارسة، فكل خطوة من خطوات البحث العلمي تعتمد على سابقتها.
-السببية: وتعني ضرورة وجود تفسير وأسباب علمية ومنطقية لكل إشكالية أو سلوك أو ظاهرة حتى وإن عجزت العقول البشرية عن إدراكها بالوقت الحاضر، والبحث العلمي هو الطريق والسبيل لمعرفة وتحديد هذه العلاقة السببية.
-إمكانية تعميم النتائج: يُقصد بذلك إمكانية تعميم النتائج المُستخلصة لعينة البحث على مُجتمع البحث بالكامل، علاوة على إمكانية الاستفادة من نتائج البحث بتفسير ظواهر أخرى مماثلة أو التنبؤ بالظواهر المُستقبلية قبل حدوثها ويُعزى ذلك إلى الأساليب الإحصائية المُستخدمة بالبحث العلمي والتي تُمكن الباحثين من التعبير عن الظواهر والمُشكلات بشكل رقمي وإحصائي.
-الأمانة العلمية: تعتبر الأمانة العلمية من المبادئ الأساسية التي يجب أن يُراعيها الباحث العلمي عند استخدامه لأفكار واقتباسات الأخرين ودمجها ببحثه، فعند عرض الباحث لأفكار الأخرين يجب عليه مُراعاة الدقة وأخذ الحيطة والحذر بنقلها، كما يجب عليه الحفاظ على الملكية الفكرية لهذه الأفكار وعدم نسبتها لنفسه والإشارة إلى جميع المصادر التي استعان بها لدعم أفكاره وتشكيل خطوات بحثه.
-التحليل والبحث: عند دراسة الباحث لأحد الظواهر أو المُشكلات، فإنه يلجأ إلى تقسيمها إلى أجزاء فرعية ودراسة وتحليل العلاقات بين هذه الأجزاء، فضلًا عن دراسة العلاقات بين مُشكلة أو ظاهرة البحث وغيرها من المُشكلات أو الظواهر، ويستمر الباحث على هذا المنوال حتى تتضح الأمور تدريجيًا إلى أن يصل إلى مرحلة التحديد الكامل للعوامل الأولية للظاهرة أو المُشكلة وكيفية تفاعلها فيما بينها، وبذلك تتضح أهمية التحليل والبحث المُستمرين كسمة أساسية من سمات البحث العلمي.
ختامًا، على الباحث العلمي أن يهتم بمعرفة الخصائص والسمات الأساسية المُميزة للبحث العلمي التي يجب عليه الالتزام بها ومُراعاتها طوال مراحل بحثه، نظرًا لأن هذا البحث سيُصبح مصدرًا علميًا ومرجعًا للباحثين المُقبلين أو للقراء بوجه عام المُهتمين بمجال البحث.
.