مفاهيم التكيف النفسي والاجتماعي والتكيف النفسي والاجتماعي المرتبط بصعوبات التعلم
مقدمة:
سوف نتحدث في ذلك المقال عن موضوع التكيف النفسي باعتباره عملية دينامية مستمرة، يسعى من خلالها الشخص إلى تغيير سلوكياته وجعل علاقته مع البيئة أكثر توازنًا وتوافقًا، حيث يتمكن الشخص في نهاية الأمر من التكيف مع البيئة المحيطة به، والحفاظ على حياته من مواجهة الصعوبات.
أولًا: مفاهيم التكيف النفسي الاجتماعي:
إن علماء البيولوجيا يستخدمون مصطلح التكيف للتعبير عن بقاء الكائن الحي حيًا، في حين أن علماء النفس يستخدمون مصطلح التكيف للتعبير عن أن الفرد دائم التمتع بصحة نفسية جيدة.
وكالهون واكوسلن قد أشار إلى التكيف باعتباره التفاعل الدائم مع الذات والمحيط والآخرين، وتلك العوامل دائمة التأثير في الفرد بصورة تبادلية، حيث يؤثر الفرد فيها ويتأثر بها؛ وإذا كان مفهوم الذات يعبِّر عن المجموع الكلي لما عليه الشخص من حيث سلوكه وانفعالاته وجسده وأفكاره، فإن للشخص أيضًا تأثير ملموس على الآخرين، وذلك يشبِه الكلام المتداوَل عن البيئة التي تحيط بنا من أصوات وأعمال ومناظر وأوضاع، حيث إن كل ما حولنا يؤثر فينا ونتأثر به عبر عملية التفاعل وصولًا إلى التكيف.
وأيستورد قد أشار إلى التكيف النفسي الاجتماعي باعتباره المتغيرات التي نَقوم بعملها في أنفسنا وفي بيئتنا بهدف الوصول إلى إشباع متطلباتنا وتحقيق المطالب التي يتوقعها الآخرون منا، من أجل التوصل في نهاية الأمر إلى جعل علاقتنا مع الآخرين إيجابية، ويَقوم الأفراد أثناء عملية التكيف بأدوار فعالة في علاقتهم ببيئتهم، فبدلًا من السعي نحو التكيف مع احتياجات الأوضاع في الوقت الحالي فإنهم ينشغلون في تهيئة البيئة المحيطة بهم من أجل أن تشبِع متطلباتهم وحاجاتهم الشخصية.
وقد أشار إليه كل من سيث وسايمونز وجون على أنه العملية النفسية التي تشتمل على تعامل الفرد مع التحديات والمشكلات ومتطلبات الحياة اليومية وتدبيرها.
وألين يرى أن التكيف في علم النفس يعبِّر عن استيعاب الفرد لأفكاره وسلوكه ومشاعره إلى درجة تتيح له تشكيل إستراتيجية تمكِّنه من مواجهة ضغوط الحياة ومتطلباتها.
كما يمكِن الإشارة إلى التكيف النفسي على أنه الاتساق بين الفرد ونفسه، بمعنى أن يكون الفرد متقبلًا لنفسه راضيًا عنها، بالإضافة إلى كونه متحررًا بصورة نسبية من التوترات والصراعات التي تتعلق بأحاسيس القلق والذنب والنقص والضيق، ويتعلق التوافق النفسي تعلقًا كبيرًا بمدى تحقيق الأهداف الشخصية وإشباع الحاجات والدوافع الفردية.
ثانيًا: التكيف النفسي والاجتماعي المرتبط بصعوبات التعلم:
قد تناولت العديد من الأبحاث المشكلات النفسية والتكيفية والأكاديمية والاجتماعية الخاصة بالأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم، وإذا أدى الخلل الأكاديمي لدى هؤلاء الأطفال إلى الفشل الدراسي وضَعف أدائهم الأكاديمي، فتنطوي صعوبات التعلم أيضًا على مشاكل اجتماعية أخرى وتتطلب من الباحثين عمل دراسات تحليلية اجتماعية.
وقد توصلت مجموعة من الدراسات إلى أن حوالي 75% من الطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم قد حصلوا على تقييمات سلبية من جانب القدرات الاجتماعية وذلك إذا تم مقارنتهم بالطلبة الذين لا يشتكون من صعوبات التعلم، وتلك النتائج ترتبط بالمعلم لأنه هو الذي يتولى أمر التقييم أو قد تتم من خلال تقييم الطالب لنفسه أو تقييم طالب آخر، والطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم يُعتبرون أقل من زملائهم من حيث الكفاءة الاجتماعية، كما أن تفاعلهم من الناحية الاجتماعية من حيث التعاون مع زملائهم والمبادرة للتفاعل معهم يكون أقل.
كما أن عددًا من الباحثين قد تناوَل العوامل ذات الصلة بالمشكلات الاجتماعية للأفراد ذوي صعوبات التعلم، لكن العلاقة بين صعوبات التعلم وعدم كفاءة المهارات الاجتماعية لا زالت قائمة على التخمين، وذلك الغموض قد أسفر عن عدد من الاجتهادات التي توضح سبب خلل المهارات الاجتماعية وتطور طرق التدخل التي تقلل تلك الصعوبات.
توجَد وجهة نظر سائدة لمجموعة من الباحثين تشير إلى أن سبب المشكلات الاجتماعية والأكاديمية يُعزى إلى خلل عصبي، حيث هناك الكثير من التفسيرات التي بينت حدوث تداخل بين مجموعة من العوامل مع التفاعلات اليومية الاجتماعية وتشتمل هذه العوامل مثلًا على الانتباه وتفسير المشكلات وصعوبات اللغة ومعالجة المعلومات والمعلومات الاجتماعية؛ كما تبنى بعض الباحثين وجهة النظر القائلة إن المراهق أو الطفل الذي يعاني من مشكلات على المستوى الأكاديمي ينتج عنها صعوبات أخرى تتمثل في الإحباط وضَعف التقدير الذاتي وغيرها من العوامل التي تحد من تنمية المهارات الأكاديمية؛ كما تشير وجهة نظر أخرى إلى أن انعزال الطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم يجعل فرصهم في التعلم محدودة، كما يحد أيضًا من ممارستهم مختلَف المهارات الاجتماعية، وهناك أدلة تفترض علاقة التلازم بين تلك الظواهر وتؤيد تلك العلاقة.
بغض النظر عن أسباب المشاكل الاجتماعية إلا أن الشباب والأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم هم أكثر الأفراد احتمالًا للتعرض لعدم القبول والنبذ والإهمال من قِبل زملائهم، حيث إن هناك نسبة تقترب من 25% إلى 30% من الطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم معرَّضون للنبذ على المستوى الاجتماعي ذلك بالمقارنة مع نسبة من 8% إلى 16% من زملائهم الذين لا يعانون من صعوبات التعلم، ويعَد النبذ من أبرز الظواهر المتعلقة بالتفاعل مع الزملاء، وقد توصل مجموعة من الباحثين إلى أن النبذ للطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم يتعلق بنقص في كفاءة التواصل سواء الشفهي أو غير الشفهي، وعدم التمكن من التقمص العاطفي.
وبالنظر إلى ضَعف علاقة الأفراد ذوي صعوبات التعلم مع الزملاء وضَعف حالتهم الاجتماعية نجد أنهم لا يشعرون بالحماية، وأن علاقتهم بزملائهم تسودها المشاكل، وأنهم أكثر عرضة للتنمر، وتلك العلاقات تجعل منهم ضحايا، وعلى الرغم من الخصائص التي تؤدي إلى تعرُّضهم للأخطاء، إلا أن الأطفال الذين يتم مساعدتهم أو مساندتهم من قِبل الزملاء يمكِن ألا يقعوا في دائرة الضحايا حيث تتحقق لهم الحماية، وفي مقابل ذلك نجد أن الضحايا يحتاجون إلى الدعم الاجتماعي مما يجعل الأفراد المتنمرين يهاجمونهم من غير أن يساورهم القلق من عواقب ذلك الهجوم.
وإلى جانب المشاكل مع الزملاء قد لاحظنا أن العديد من الطلبة الذين لديهم صعوبات تعلم عادةً ما يتصرفون بأسلوب مثير للمشاكل، ذلك أن تلك الفئة لا تنتبه كثيرًا خلال الصف الدراسي إذا ما تم مقارنتهم مع زملائهم الذين ليس لديهم صعوبات تعلم؛ والتحليلات البعدية قد أشارت إلى أن المعلمين يميزون حوالي 80% من الطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم عن زملائهم الذين ليس لديهم تلك الصعوبات بأنهم يعانون من مشكلات ذات صلة بفرط النشاط وتشتت الانتباه والقابلية للتكيف، وعلى الرغم من أن المعلمين يَعتبرون أن الطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم يعانون من خلل في الوظائف الاجتماعية بشكل عام، فإن هؤلاء الطلبة من ذوي تشتت الانتباه وفرط النشاط يكون الانطباع الغالب عنهم أنهم لا يستطيعون أن يتكيفوا مع الطلبة الذين يعانون من صعوبات في التعلم.
وقد أفاد الشباب والأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم بأن لديهم أعراض القلق والاكتئاب والإحساس بالوحدة، كما أشار بعض الباحثين أن بعضهم يشكو من الاكتئاب الشديد إذا ما تم مقارنتهم بزملائهم ممن ليسوا ذوي صعوبات تعلم، هذا بالإضافة إلى أن بعض ذوي صعوبات التعلم يقعون ضحية لتعاطي المخدرات، وإذا كانت مشكلة صعوبات التعلم تتسبب في إعاقة نمو الفرد في رحلة الحياة، فإن معدلات التسرب من التعليم تكون أعلى لدى الطلبة من ذوي صعوبات التعلم مما يجعلهم معرَّضين بشكل أكبر لخطر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
والدعم الذي تقدِّمه المدرسة والأسرة يحمي المراهقين والأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم من عواقب التجارب ذات الطابع السلبي التي يمرون بها في المدرسة ومع زملائهم.
كما أنه هناك عوامل أخرى للحماية تتمثل في الوعي بالذات واحترامها، والدعم الأكاديمي الملائم، والعلاقات الطيبة مع الزملاء، والتواصل مع المعلمين، واستيعاب صعوبات التعلم التي يعاني منها بشكل خاص، وبخلاف ذلك تمامًا فإن عدم الالتزام وضعف الإنجاز الأكاديمي والذي يتعلق دائمًا بالمشكلات اللغوية والسلوك التخريبي والعدواني وضَعف المهارات الاجتماعية كل ذلك يزيد من خطر تعرُّض المراهق أو الطفل الذي يعاني من صعوبات التعلم إلى المشكلات النفسية.
ويوجَد عامل آخر يجب أن نأخذه في الحسبان وهو الوصمة المتعلقة بصعوبات التعلم، حيث إنها من أكثر العوامل حسمًا في اتجاهات الزملاء السلبية جهة الطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم، وهي مشكلة تواجه الطلبة الذين يعانون من صعوبات التعلم تجعل باقي الذين ليسوا من ذوي صعوبات التعلم متحيزين، كما تؤثر على سلوك الفرد الذي يعاني من صعوبات التعلم نفسه، ونتائج الأبحاث قد أشارت إلى تأثير مواقف الزملاء السلبية من الذين لا يعانون من صعوبات التعلم الهائل على تلك الفئة، وبشكل نمطي نتوصل إلى أن صعوبات التعلم تُعزى إلى خلل لدى الفرد نفسه، والتركيز في العلاج والتشخيص يكون على أنه حالة شاذة، وهذا بدوره قد يزيد من تعرض الأطفال للأخطار في السياقات الاجتماعية، ويكون ذلك بسبب الاهتمام بفكرة الإقصاء والعقبات الخارجية التي تمنع الأفراد الذين يعانون من صعوبات التعلم من المشاركات الاجتماعية.
الخاتمة:
قد وضح المقال أن التكيف الاجتماعي عملية ضرورية لاستمرار الشخص وضمان انتمائه للجماعة ولمده بالقدرة على مواجهة مختلَف الظروف البيئية، فهو من العمليات المستمرة، كما أنه يتطور كلما تطوَّر الأشخاص وكلما تطوَّرت الأحداث، ذلك أن التكيف الاجتماعي يعَد من أهم معايير الصحة النفسية حيث إنه كلما كان الشخص قادرًا على التفاعل مع الجماعة والتأثير فيها كان أكثر قدرة على إشباع حاجاته دون التعرض للنبذ من قِبل المجتمع.